- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432699
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
مصر : المصالح تسطر علاقة أميركا بمصر الإخوانية
الإخوان والمساعدات هي المهر
علاقة تنظيم الإخوان المسلمين بأميركا تثير جدلا واسعا حول صحة دعم الولايات المتحدة للإخوان ومدى التقارب في المصالح بينهما. وفي تقريره الاستراتيجي التاسع سلّط معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الضوء على مستقبل العلاقة المصرية الأميركية في ظل الدولة الإخوانية. وتحدث مؤلفا التقرير –فين وابر وغريغوري ب. كريغ- عن الواقع السياسي في مصر في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين وكيفية العلاقة التي يجب على الولايات المتحدة إقامتها معها لضمان مصالحها في المنطقة والحفاظ على أمن اسرائيل. لأسباب ديمغرافية وجغرافية وتاريخية واستراتيجية تحظى مصر بأهمية حيوية بالنسبة إلى المصالح الأميركية. وكان تحول وجهة مصر في السبعينات من دولة محاربة إلى دولة مسالمة ومن حريف سوفياتي إلى حليف أميركي من أهم تطورات الحرب الباردة. ومنذ ذلك الوقت عمل البلدان معا على بناء علاقة قوية تراعى فيها المصالح المتبادلة. وكدليل على اهتمام الولايات المتحدة بمصر والتعاون المهم بين البلدين قدمت أميركا أكثر من 70 مليار دولار لمعاضدة التنمية الاقتصادية والاستعداد العسكري منذ أن اتجهت مصر نحو الغرب قبل أكثر من ثلاثين سنة. وبالرغم من أن حسني مبارك كان يعتبر حليفا استراتيجيا في الحفاظ على السلام ومحاربة الإرهاب، فقد ساندت واشنطن المطلب الشعبي للتغيير السياسي في بداية سنة2011 واعتبرته مطلبا مشروعا وعادلا يتوجب دعمه. ومنذ التغيير نُظمت عدة انتخابات أسفرت عن فوز محمد مرسي بالرئاسة، ليكون أول رئيس مدني في مصر وضع حدا لسيطرة الجيش على الحكم وفرض سيطرته بعزل قادة الجيش الكبار وعوضهم بآخرين حسب اختياره. لكن تبقى عملية الانتقال غير مكتملة إلى حد الآن فالبلاد تفتقر لدستور وبرلمانها لا يعمل بشكل فعّال. وفوق هذا كله مختلف القوى السياسية في حالة تقلّب مستمر. ويبرر البعض الوضع بأن الثورة لم تكتمل بينما يقول آخرون إنه لا توجد قواعد تحكم التحول ومن المحتمل أن يكون الطريق تبعا لذلك وعرا. مع فوز الإسلاميين ووصولهم إلى الحكم خيم على البلاد غموض سياسي وطرحت أسئلة عديدة: كيف سيتصرف الإخوان المسلمون؟، كيف ستكون علاقة دولة الإخوان بإسرائيل وأميركا؟ وهل سيميل الإسلاميون إلى الجانب الايديولوجي ويتشددون أكثر ويقتربون من السلفيين أم سيتصرفون بطريقة نفعية وبراغماتية أكثر حتى لا ينهار الاقتصاد ومن ثم يؤدي إلى فشلهم السياسي؟ بعض الأجوبة توضّحت على خلفية الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، حيث أجبرت الصعوبات الاقتصادية الحكومة الإسلامية الجديدة على طلب المساعدة من مختلف العواصم في العالم لإنقاذ عملتها واحتياطها المتضائل من العملة الصعبة. ضبابية حكومة مرسي يعكس أداء حكومة مرسي ضبابية المرحلة الانتقالية المصرية؛ ففيما يتصل بالمسائل الاقتصادية أرسل حسم مسألة القيادة العسكرية بسرعة وحزم إشارات إيجابية للمستثمرين المترددين، كما خفّف تركيزه على حل المشاكل الاقتصادية في مصر المخاوف بأن الأسلمة وليس حل المشاكل هي أول أولوياته. لكن في نفس الوقت كان لعدم واقعية التزاماته –الوعد بإنهاء مشاكل نقص الغذاء والوقود في مائة يوم- وضبابية خطة الانتعاش الاقتصادي تأثيرا معاكسا وصل إلى حد إثارة السخرية وفقدان مجتمع الأعمال لصبره. في مجال حرية الاعلام سمحت الحكومة بازدهار المداولات والمناقشات العامة وحرية التعبير بشكل غير مسبوق حتى أن الرئيس نفسه أصبح هدفا للنقد وهو أمر لم يكن يتسامح معه سابقوه. لكن هذه الحرية لها حدودها، وشهدت البلاد عمليات تقييد للحريات تذكر بالعهد السابق للثورة مثل طرد رؤساء التحرير وايقاف نشطاء المجتمع المدني وحبس المدونين المستفزين. وفي تقريرها السنوي، الصادر حديثا، أعربت منظمة حقوق الإنسان، "هيومن رايتس ووتش"، عن قلقها إزاء تدهور حق حرية التعبير والملاحقة القضائية للصحافيين واتهام النشطاء بإهانة رئيس الدولة والمؤسسات في مصر. وعلى الجبهة الدولية، ضخ الرئيس مرسي طاقة وحيوية في السياسة الخارجية المصرية بالسفر إلى عدة بلدان حول العالم لتأكيد دور مصر في الشؤون الاقليمية والدعاية للبلد كمقصد جاذب للاستثمار الأجنبي المباشر. لكن لم تظهر مساعيه نتائج تذكر وهو ما يبرهن عليه تردد أكبر المستثمرين مثل الصين ودول الخليج في القيام بتعهدات مساندة أو متابعتها، إلى جانب فتور الاستقبال الذي حظي به الحل الرباعي الذي اقترحته مصر للأزمة السورية. غموض المرحلة الانتقالية يلخص التقرير الاستراتيجي غموض الوضع الذي تتميز به المرحلة الانتقالية المصرية بقيادة مرسي في شكل عدد من الأسئلة: - هل يرى الرئيس الجديد نفسه ممثلا أمينا للإخوان المسلمين؟ أم أن هويته تتجاوز الإخوان لتشمل كامل البلد بمختلف أطيافه؟ - هل حركة الإخوان المسلمون نفسها منظمة موحدة ليس فيها انشقاقات داخلية؟ أم هل أعضاؤها أحرار في مناقشة المسار المستقبلي لمصر وحتى مخالفة قيادة الحركة في المسائل الهامة؟ - هل الإسلاميون يتمتعون بشعبية الآن في مصر لأنهم يمثلون الأصالة المصرية التي افتقدها المصريون في الفترات السابقة؟ أم لأن نظام مبارك بذل جهدا خاصا للقضاء على أي مجموعة غير إسلامية كان يخشى أن تدعمها واشنطن كبديل له مما ترك الإسلاميين الحركة الوحيدة المنظمة والمتسقة؟ - هل فعلا يساند السلفيون عدد كبير من المصريين مثلما أظهرت الانتخابات؟ أم هي ظاهرة عابرة؟ - هل سيبقى غير الإسلاميين منقسمين وغير فاعلين على مدى المستقبل المنظور؟ أم سينهضون من كبوتهم ويتمكنون من تجاوز خلافاتهم وتنظيم أنفسهم بشكل فعال لمنافسة الاسلاميين؟ - هل يدرك المصريون وقادتهم المنافع الكبيرة للسلام مع اسرائيل على مدى أكثر من ثلاثين عاما خاصة في تفادي خسارة الآلاف من الأرواح في صراع غير ضروري؟ أم هل سيفضلون التنصل من المعاهدة ويتعرضون لخطر الانزلاق نحو الحرب؟ - هل حسمت سيطرت المدنيين على السلطة؟ أم هل سيعود العسكر إلى الخوض في السياسة مجددا؟ بناء علاقة جديدة مع مصر الجديدة نظرا لما للولايات المتحدة من مصالح ثابتة في مصر تراهن واشنطن على الخيارات التي تتخذها الحكومة المصرية الجديدة. ويقول معدّا التقرير الاستراتيجي الأميركي إن على واشنطن أن تعمل على تطوير آفاق التعاون مع مصر بشكل يتناغم مع الانتقال الديمقراطي في البلد. وتمارس الولايات المتحدة تأثيرها على مصر من خلال ثلاث مصادر، التمويل العسكري الأجنبي "1.3 مليار دولار في السنة"، والمساعدات الاقتصادية "250 مليون دولار في سنة 2012"، والتأثير الأميركي لدى المانحين الآخرين بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. ويرى الباحثان أن على الولايات المتحدة أن تحرص على تمكن مصر من المساعدات اللازمة حتى لا تنزلق إلى وضع الدولة الفاشلة لأن ذلك من شأنه أن يكون مصدرا لعدم الاستقرار، كما أن ذلك سيقنع القادة المصريين بضرورة التعامل مع أميركا كشريك مهم. وعلى العكس من ذلك فإن منع المساعدات لمصر وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه قد يساهم في فشل الدولة فتصبح معادية لأميركا وحلفائها. ويلخص الباحثان رأيهما بالقول إنه من الخطأ بناء السياسة الخارجية مع مصر على أساس الاعتقاد أن الولايات المتحدة تستطيع إقناع الاسلاميين أو إرغامهم على التخلي عن ايديولجيتهم الإسلامية المتجذرة، لكن ليس من الخطأ بناؤها على أساس أن النفوذ الأميركي يمكن أن يؤثر في السلوك المصري. وهكذا عبر سياسة المساعدات المشروطة تتحكم الولايات المتحدة في تصرفات الحكومة المصرية عبر مواصلة منح المساعدات والتسهيلات إذا رضيت واشنطن على القاهرة بتصرفها بشكل "مسؤول"، ومنعها في حالة عدم الاستجابة للشروط. ومن أبرز هذه الشروط المحافظة على السلام مع اسرائيل والتعاون معها لمنع أعمال العنف ضدها، وإعطاء البحرية الأميركية أولوية العبور عبر قناة السويس وفتح أجوائها للطيران الحربي الأميركي إلى جانب الالتزام بمحاربة الارهاب، وأخيرا اتباع نظام ديمقراطي وتعددية سياسية. بيد أن الباحثان في نهاية تحليلهما يحذران بأنه حتى في أحسن الظروف على المرء أن يتوقع علاقة غير ثابتة مع مصر الجديدة. ويفسران رأيهما بالقول: حتى إذا التزمت مصر بتعهداتها فيما يخص السلام والأمن ولم تتجاوز الحدود في السلوك المقبول في المسائل السياسية والاجتماعية، فالعلاقة ستتعرض لانتقادات علنية من بعض الجهات في الولايات المتحدة بأن واشنطن يجب ألا تمنح المساعدات لحكومة منبثقة عن الإخوان المسلمين مهما كانت الظروف. كما أن الحكومة المصرية مهما تصرفت بمسؤولية فلا بد من صدور تصريحات من بعض الزعماء تراها واشنطن بغيضة ونارية وشائنة. وفوق هذا كله لا يستطيع المرء التعويل على أفضل الظروف. وعلى هذا الأساس يدعو التقرير إلى أن تتبع واشنطن على أرض الواقع علاقة تعاون مع مصر الجديدة تقوم على المصلحة المتبادلة دون التعلق بالأوهام. |