|
|
- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 431819
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
معاناة لاجئة سورية بلبنان !
صورة ارشيفية
ليلاً في شارع الأضواء والزحام، وأماكن السهر والمحال التجارية، وقفت «أم علاء» على الرصيف تراقب ابنتها علياء وهي تنتقل من سيارة إلى أخرى تمد يدها بوردة حمراء. تبدو علياء للناظر إليها بوجهها المدور وشعرها الطويل، كنحلة صغيرة تائهة في شوارع المدينة. تعتقد ان كل سيارة عابرة هي زهرة برية قد تتكرم عليها ببعض الرحيق الطيب. وهي في مهمتها هذه، تعتمد غالباً على الحظ. فإذا كان الزحام شديداً يتسنى لها سؤال السائق «تشتري وردة؟»، أما اذا كان خط السير مفتوحاً تكتفي بقذف وردتها في وجه زبونها المحتمل. علياء فتاة سورية هاربة إلى شوارع بيروت من جحيم النزاع المسلح في بلادها. تقول أمها وقد بدت على وجهها علامات الأسى: «أبوها توفي منذ سنوات وترك لي ثمانية أطفال... ست بنات وولدين». وهربت أم علاء هي وأولادها إلى لبنان بسبب الصراع الدائر في سورية. وتقول: «عندما غادرنا لم يكن السلاح الثقيل قد دخل بعد الى منطقتنا، لكننا فقدنا الأمان نتيجة الشجارات الدائمة بالعصي والحجارة بين المؤيدين والمعارضين من الاهالي». كان ذلك السبب الرئيس لتحمل أبناءها وتغادر، لكنه ليس السبب الوحيد. فظروف الحياة ما عادت تطاق بعد فقدان مادتي المازوت والغاز، اضافة إلى ارتفاع أسعار الخبز. لكن في لبنان، تشكو أم علاء، كغيرها من النازحين، من غلاء المعيشة الفاحش في البلد. فهي تقيم في منزل صغير تدفع إيجاره 300 دولار، وتعمل مدبرة منزل لدى احدى العائلات مقابل 250 دولاراً شهرياً، لذلك وجدت نفسها مضطرة لتشغيل أولادها لتحصيل ما تبقى من إيجار المنزل وشراء الحاجات الضرورية. ولأن السيدة تخشى على بناتها الأكبر سناً من العمل داخل البيوت استطاعت تأمين عمل لاثنتين منهن، واحدة في محل لبيع الإكسسوارات وأدوات التجميل، والثانية في مكتبة كبيرة، فيما انصرفت علياء الصغيرة التي تبلغ من العمر 10 سنوات، الى بيع الورد مع أخويها علاء (9 سنوات) وعبدالله (7 سنوات). وفيما اختار علاء أن يحمل باقة ورد، اكتفى عبدالله بوردة واحدة يشهرها في وجه المارة ثم ينطلقان في حركات دائرية مع أختهما لمزاحمة بعضهم بعضاً. وتدر هذه التجارة المتواضعة على العائلة دخلاً «مقبولاً»، فهم يشترون الوردة بحوالى 1500 ليرة لبنانية (اي دولار واحد) ويبيعونها بسعر يتراوح بين ألفين و5 آلاف ليرة، معوّلين بشكل كبير على كرم الزبون. ولأنهم صغار فهم لا يسلمون من ملاحقة دوريات الدرك في منطقة عملهم، فالقانون يحظر عمالة الأطفال. وما أن وصل خبر اعتقال أحد الأطفال الذي يبيع العلكة إلى مسامع أم علاء وأبنائها حتى اختفوا جميعاً في ثوانٍ من الشارع ليعودوا من جديد في اليوم التالي. قصة أم علاء واحدة من قصص مئات العائلات السورية التي نزحت إلى لبنان مع ازدياد دموية الصراع في بلادهم منذ نحو عامين، وبلغ عددهم وفق الإحصاءات الأخيرة عتبة المليون. وعلى رغم أن القانون اللبناني واضح وصريح بشأن عمالة الأطفال، ويعرضهم وذويهم للملاحقة القانونية، وهو ما تدركه جيداً أم علاء وأولادها، إلا أن الحاجة تبقى أقوى وهي بدورها لا تستثني أحداً. وإلى ان يبدو بصيص أمل في نهاية النفق، سيعمل الكثير من الأطفال النازحين في مهن مختلفة لتحقيق «الكفاف». هكذا، عندما تمر من شارع الأضواء وسط بيروت، وحالفك الحظ ستسمع صوتاًً ناعماً يقول «تشتري وردة؟». |