- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432739
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
ظاهرة الزواج المبكر بمصر !
المجتمع المصري يواجه من جديد مشكلة الزواج المبكر التي حاربها طيلة عقود، وتشجع عليها حاليا بقوة التيارات الإسلامية. في مداخلة هاتفية داخل إحدى حلقات الإعلامي “طوني خليفة” وأثناء استضافته لأحد شيوخ السلفية، روت سيدة قصة زواجها في سن الثانية عشرة، وكيف كانت تلعب مع صديقاتها ثم وجدت نفسها زوجة مع زوج في غرفة واحدة دون أن تعلم شيئا عن الزواج، وكانت النتيجة الحتمية هي الطلاق في سن السادسة عشرة. والغريب أن رد الشيخ السلفي جاء غاضبا على تلك السيدة ومستنكرا عدم معرفتها بالزواج قائلا لها “ألم تشاهدي والدك ووالدتك أبدا وهما في الفراش”. أحدثت هذه المحادثة وما زالت قلقا كبيرا وسط المجتمع المصري من مصير مشكلة الزواج المبكر التي يحاربها المجتمع المدني منذ فترة طويلة، وتشجع عليها حاليا بقوة التيارات الإسلامية. والمشكلة الأخطر التي قد يسببها الزواج المبكر هي اختلاط الأنساب، إذ يتم تسجيل حالات الزواج المبكر عرفيا وليس رسميا هربا من القانون، وعند حدوث إنجاب يتم نسب المولود إلى الجد من الأم أو من الأب، حتى تكبر الأم ويتم تسجيل الزواج رسميا من خلال المحكمة ونقل نسب الأولاد. يتم الاستهانة بالمشكلة إلى درجة كبيرة دون تدخل واضح لحلها، أو حتى تقديم خدمات صحة إنجابية من شأنها تقليل المخاطر التي تتعرض لها المرأة المتزوجة في سن صغيرة. لقد أصبحت هناك حاجة ملحة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي من المفروض توفيرها وجعلها في متناول الجميع، خاصة الفئات الأكثر عرضة للمشاكل في هذا المجال، لا سيما فئة الشباب والمراهقين. تم تعريف الصحة الإنجابية من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان بأنها حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والرفاه الاجتماعي، في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي في جميع مراحل الحياة. فلكل فرد الحق في التمتع بالصحة الإنجابية، باعتبارها الأساس لإنجاب أطفال أصحاء، والتمتع بعلاقة زوجية حميمة، وإقامة أسر سعيدة. كما تم تحديد خدمات الصحة الإنجابية والجنسية خلال برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 لتشمل: تنظيم الأسرة، الإجهاض الآمن (ضمن القوانين الخاصة بكل دولة)، مسح سرطان عنق الرحم، الولادة لدى مرجع طبي كفء، خدمات الولادة الطارئة والمشورة والوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً بما فيها الإيدز. وتم الاقتراح في نفس المؤتمر أيضا بأن يكون من أهم الأهداف العمل على تأمين مجموعة كاملة من خدمات الصحة الإنجابية والجنسية -بما فيها تنظيم الأسرة- وجعلها متوفرة، سهلة المنال، مقبولة اجتماعياً وثقافياً وملائمة للجميع. ومن هذا المنطلق بات على الحكومات المشاركة الإيجابية في حماية حقوق الصحة الإنجابية والجنسية عبر منع الآخرين من انتهاكها من خلال قوانين صارمة تسن من قبل المجالس النيابية، وتهدف إلى تأمين فرصة التمتع بهذه الحقوق، وفي الوقت نفسه بات على الحكومات عدم انتهاك هذه الحقوق من قبل الدولة عن طريق إصدار قوانين تعيق ممارسة هذه الحقوق. ورغم أن تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان “حالة سكان عالم 2012″ يشير إلى أن مصر حققت الكثير من التطورات الهامة في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، ففي عام 2005، احتلت مصر المركز 112 من بين 177 دولة وفق تصنيف مؤشر التنمية البشرية، بعد أن كانت تحتل المركز 119 منذ سنوات قليلة ماضية، غير أن هناك تقديرات أخرى أجريت حديثا لتظهر وجود تراجع طفيف في ذلك الترتيب. وقد بلغ نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 5.900 دولار تقريباً ليرتفع عن عام 2003 حيث كان3.950 دولار، وعلى مدار العقدين الماضيين، شهدت مصر زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، بمتوسط قدره 7 بالمئة في غضون السنوات الثلاث الماضية. وعلى الرغم من تلك المكاسب المحققة، فإن عملية التنمية تشهد تفاوتاً كبيراً بين مناطق الريف والحضر، وبين صعيد مصر والدلتا، وكذلك بين المدن والمحافظات بل وفي داخلها، هذا، وتتركز ما يقرب من 40 في المائة من جميع الاستثمارات في محافظة القاهرة، بينما لا يزال الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية منخفضا، وفي عام 2005، تم إنفاق 5.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم و1.8 بالمائة على القطاع الصحي. ولا يزال الفقر يشكل تحديا كبيراً، إذ يوجد حوالي 43 بالمائة من السكان يعيشون على أقل من 2 دولار أميركي يومياً، وهناك حوالي 30 بالمئة من القوة العاملة تعمل إما بعقود موسمية، أو متقطعة أو مؤقتة. ويشير التقرير إلى أن منظومة الصحة الجنسية والإنجابية المتكاملة تشتمل على ضرورة توفير عناصر هامة وهى: وسائل تنظيم الأسرة، والمباعدة بين الولادات، تقديم الرعاية الصحية للحوامل خلال فترة الحمل، مع تأمين الإشراف الطبي لهن أثناء الولادة، وبعدها، التعامل مع المضاعفات التي قد تحدث أثناء الولادة للأم أو للوليد، وأيضاً في الحالات الطارئة، تجنب الإجهاض ومعالجة المضاعفات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن، توفير سبل الوقاية والعلاج من أمراض الجهاز التناسلي، والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، التشخيص والعلاج المبكر لسرطان الثدي وعنق الرحم، تعزيز دعم ونشر ثقافة الاقتصار على الرضاعة الطبيعية، توفير سبل الوقاية والعلاج لحالات ضعف الخصوبة والعقم، التنفير الفعال من الممارسات الضارة مثل ختان الإناث، توفير خدمات الصحة الإنجابية والصحة الجنسية للمراهقين، وتوفير سبل الوقاية والعلاج لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتشتمل الصحة الإنجابية على كافة المجالات الرئيسية لرؤية صندوق الأمم المتحدة للسكان الرامية إلى أن يكون كل حمل مرغوباً، وكل ولادة مأمونة، وكل شاب وشابة ينعمان بحياة خالية من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، وأن تعامل كل فتاة وامرأة بكرامة واحترام. وقد حققت مصر تقدماً ملحوظاً في ما يتعلق بمؤشرات الصحة الوطنية على مدار العقود الماضية. فخدمات الرعاية الصحية الأولية أصبحت متاحة في جميع أنحاء البلاد، حيث أن 95 بالمئة من السكان يعيشون على بعد خمسة كيلومترات من مراكز الرعاية الصحية الأولية. وقد أظهرت نتائج المسح الديمغرافي والصحي لمصر في عام 2008 تحسناً في العديد من المؤشرات الرئيسية للصحة الإنجابية ومن بينها الرعاية الصحية أثناء فترة الحمل، والإشراف الطبي عند الولادة، ووفيات الرضع والأطفال، كما أظهر المسح زيادة في استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وانخفاضاً متواصلاً في معدلات الخصوبة وإن كان هذا الانخفاض يتم بوتيرة بطيئة. ويدعم المكتب القطري لصندوق الأمم المتحدة للسكان الحكومة المصرية، من خلال قطاع تنظيم الأسرة بوزارة الصحة، وأيضاً من خلال تعزيز وإنشاء عيادات صديقة للشباب، بالتعاون مع مختلف الشركاء. ورغم ما تحقق من إنجاز إلا أن هذا كله مهدد الآن، إذا تم تغيير السياسة الصحية في مصر، وتمرير قوانين من شأنها السماح بالزواج المبكر، أو بعدم الالتزام بكل الاتفاقيات التي وقعت عليها مصر وشاركت فيها، وحققت بها العديد من المكاسب. |