|
|
- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 431819
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
رسالة إيران في لبنان
هناك خوف حقيقي على لبنان. لا وجود لوعي لبناني لخطورة سقوط الوطن الصغير في فخّ ما يحضّره له النظام الإيراني في وقت تمرّ فيه المنطقة كلّها في مخاض. يراهن النظام الإيراني على الانقسامات اللبنانية- اللبنانية ويستغلها من أجل السيطرة على البلد، عن طريق تفتيته مذهبيا وطائفيا، بهدف تأكيد أن خسارته لسوريا لا تعني في طبيعة الحال أنه سيخسر لبنان.
من أجل بلوغ الإيرانيين هدفهم، طرح النائب المسيحي ميشال عون ما يسمّى مشروع اللقاء الأرثوذكسي، كي تجري الانتخابات النيابية المقبلة المتوقعة خلال ستة أشهر على أساسه.
قبل كلّ شيء لا علاقة لمشروع القانون المسمّى بـ"الأرثوذكسي" بهذه الطائفة اللبنانية. يكفي أنّ من يروج لهذا المشروع نائب ماروني هو ميشال عون معروف بأنه مرتبط ارتباطا عضويا بـ"حزب الله" الإيراني. الحزب نفسه لا ينفي أنّه إيراني ويتفاخر بأنّ مرجعيته في طهران حيث "الوليّ الفقيه".
يختبئ عون، المختص بتهجير مسيحيي لبنان من لبنان، خلف كلمة أرثوذكسي لتمرير مشروع يصبّ في نهاية المطاف في نسف اتفاق الطائف والقضاء على مسيحيي لبنان. وهذا هدف وضعه "حزب الله" الإيراني نصب عينيه منذ فترة طويلة. يريد عون، وهو مجرد أداة لدى الأدوات الإيرانية، تحويل المسيحيين إلى مجرد مجموعة صغيرة لا علاقة لها بديمومة لبنان وتميّزه كوطن يضم طوائف ومذاهب عدة تتفاعل مع بعضها بعضا على كلّ المستويات وفي مختلف الحقول وتشكل مصدر غنى للوطن الصغير.
ماذا ينفع لبنان إذا صار كونفيديرالية بين الطوائف بدل أن يكون مساحة تتسع لجميع مواطنيه لا مكان فيها سوى لمؤسسات الدولة التي تكون في خدمة جميع اللبنانيين، كما كانت عليه الحال ما قبل العام 1970 تاريخ وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا ومباشرته التدخل المباشر والوقح في الشؤون اللبنانية بهدف تدمير صيغة العيش المشترك في الوطن الصغير.
في الواقع، كان تحويل مسيحيي لبنان إلى مجموعة خائفة تحتاج إلى حماية خارجية هدفا دائما للنظام السوري. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى تدفق الأسلحة على لبنان من سوريا منذ أصبح حافظ الأسد وزيرا للدفاع في العام 1966 ثم فرض اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.
هناك في سوريا نظام، بدأ في العام 1966 يتخذ شيئا فشيئا شكله العلوي، عمل دائما على أن يكون هناك تقوقع مسيحي في لبنان عن طريق زرع بذور التفرقة بين الطوائف والمذاهب.
استخدم في البداية الوجود الفلسطيني المسلّح لإرباك المسيحيين ودفعهم إلى تشكيل ميليشيات عادت عليهم بالويلات. ثم استخدم الشيعة عن طريق توسيع الشرخ بينهم وبين السنّة من جهة وتغيير طبيعة المجتمع الشيعي من جهة أخرى. وعمل دائما في اتجاهين واضحين. الأوّل القضاء على أيّ رمز سنّي بارز والآخر الهيمنة على الدروز وتهميشهم. وهذا ما يفسّر إلى حدّ كبير اغتيال كمال جنبلاط في العام 1977 وضبط وليد جنبلاط حتى العام 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم اعادته تدريجا إلى بيت الطاعة ابتداء من غزوة بيروت والجبل في أيار– مايو 2008.
الموضوع ليس موضوع قانون انتخابي تنتخب فيه كلّ طائفة نوّابها وكأنّ لبنان مجموعة كانتونات. الموضوع يتجاوز ذلك بكثير. هناك نظام إيراني أخذ على عاتقه تحويل لبنان محمية لديه في وقت لا مجال لإعادة الحياة إلى النظام السوري. تسعى إيران من خلال الترويج للمشروع المسمّى زورا وبهتانا "المشروع الأرثوذكسي" إلى جعل لبنان كلّه تحت سيطرتها.
إذا وضعنا لبنان ككلّ جانبا، وهو الهدف الأكبر. هناك أربعة أطراف مستهدفة إيرانيا. هناك سنّة لبنان الذين تسعى طهران إلى إدخالهم في مواجهة مع المسيحيين وذلك عقابا على رفعهم شعار "لبنان أولا" بعدما لعبوا طويلا دور المواطن "العروبي" الساعي إلى تذويب لبنان في محيطه.
وهناك المسيحيون المطلوب منهم أن يكونوا في حال عداء مع كلّ مكوّنات المجتمع اللبناني وأن يكونوا في حماية سلاح "حزب الله". يفترض بمن لديه قليل من الذاكرة أن يتساءل لماذا كان كلّ هذا الإصرار السوري، منذ العام 1975، على تجميع مسيحيي لبنان في منطقة واحدة بعدما كانوا منتشرين في كلّ لبنان؟ لماذا ارتكبت كلّ هذه المجازر التي استهدفت قرى وبلدات مسيحية في ما يسمّى الأطراف. بعض هذه المجازر ارتكبها فلسطينيون. ولكن في كلّ مرّة من المرات، كان هناك النظام السوري الذي يحرّك هذه المنظمة الفلسطينية التابعة له من خلف. ولا شكّ أن ما حصل في بلدة الدامور في منطقة الشوف أبلغ دليل على ذلك. ما يفعله الإيراني حاليا تتمة لما فعله السوري في الماضي القريب.
وهناك الدروز المطلوب أن يكونوا أقلية تتصرّف بمنطق الباحث دائما عن حماية وحضن دافئ.
وهناك ما بقي من الشيعة اللبنانيين الأحرار الذين رفضوا دائما وما زالوا يرفضون أن يكونوا جزءا من المشروع الإيراني الهادف إلى تغيير طبيعة مجتمعهم المنفتح من جهة وتحويلهم إلى ميليشيا مذهبية ترهب الطوائف الأخرى وتتحكّم بها وبمفاصل الدولة اللبنانية من جهة أخرى.
هناك مخاوف مسيحية حقيقية مبررة من الأحداث التي تشهدها المنطقة. إنها مخاوف مفهومة وهذا جعل ميشال عون قادرا على المزايدة، حتى عنصريا، محرجا مسيحيين آخرين، كان مفترضا بهم التمتع بحدّ أدنى من الوعي في ضوء الظروف الراهنة. من الضروري أخذ هذه المخاوف المسيحية في الاعتبار بدل ترك ما يسمّى "الجنرال" يستغلها بدفع من "حزب الله".
مرّة أخرى، ما على المحك حاليا يتجاوز القانون الانتخابي. ما على المحكّ مصلحة اللبنانيين ككلّ. هل آن وقت تغيير النظام عبر انقلاب ينفّذه "حزب الله" الإيراني على مراحل؟
كانت غزوة بيروت والجبل في أيار- مايو 2008 محطة في هذا الانقلاب الذي بوشر به بالتمديد لأميل لحود خريف العام 2004 ثم باغتيال رفيق الحريري وصولا إلى تشكيل حكومة "حزب الله" الحالية برئاسة سنّي من طرابلس فُرض عليه أن يكون في هذا الموقع ولا يزال مفروضا عليه عدم الاستقالة على الرغم من أن طائفته "مستهدفة" على حدّ تعبيره.
في وقت يمرّ الشرق الأوسط في مرحلة مصيرية تفوق في خطورتها ودقتها مرحلة قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين في العام 1948، فإنّ أفضل ما يستطيع أن يفعله اللبنانيون هو التريث قليلا والابتعاد عن المناورات الإيرانية قدر الإمكان. مطلوب بكل بساطة أن يفهم جميع اللبنانيين مغزى الرسالة الإيرانية وفحواها والتي يختصرها طابع رسمي صدر عن الدولة الإيرانية يمثّل خريطة لبنان وقد زرع في قلبها علم "حزب الله".
مشروع أن يتساءل المسيحي خصوصا، واللبناني عموما، ما البديل من المشروع المذهبي المطروح للانتخابات المقبلة. ولكن ما هو مشروع أكثر التساؤل هل آن وقت تغيير النظام اللبناني بدءا بتفتيت البلد طائفيا ومذهبيا؟ من يستفيد من التفتيت غير الدويلة التي أقامها "حزب الله" بسلاحه الإيراني الذي ألغى سلاح الدولة اللبنانية؟ أين موقع المسيحيين في المعادلة الجديدة؟ هل مطلوب أن ينتقلوا من الوصاية السورية التي رفضوها دائما… إلى الوصاية الإيرانية التي يطمح إليها ميشال عون ومن على شاكلته من الذين أدخلوا السوري إلى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية؟
في النهاية، لو كان ميشال عون يعرف معنى ما يتحدّث عنه ومعنى الكلام الذي يوضع في فمه ليصبح مثل الببغاء لا أكثر، لكان الآن مقيما في حارة حريك، التي هي مسقط رأسه… وليس في الرابية!
تختصر الرحلة بين حارة حريك، التي هُجّر منها المسيحيون وأصبحت معقلا لـ"حزب الله"، والرابية الواقعة في المتن المسيحي، إلى حدّ كبير مأساة مسيحيي لبنان وجلجلتهم. في أساس المأساة العجز عن فهم طبيعة النظام السوري السابق الذي بدأ تأسيسه منذ 1966 أو النظام الإيراني الحالي الذي لا همّ له سوى المتاجرة بهم وبوطنهم الصغير.