- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432739
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
قصيدة النثر كتابة إبداعية
إنّ قصيدة النثر أو "الكتابة الإبداعية" هي كتابة أضحت اليوم حقيقة لا يمكن أن ينكرها النقاد بحكم أنها أضحت ضمن فضائنا الإبداعي العربي كتابة مسيطرة على الساحة الشعرية أو الإبداعية و إن هذا الحضور لهذه التجربة الجديدة في الكتابة افترض "عقلية نقدية" وجب أن تعيد وعيها بهذا التعامل مع مبدعي هذه الكتابات. إن قصيدة النثر أو "الكتابة الإبداعية" -كما أسمّيها– تفترض أن تفهم ضمن فضاء ثقافي "إنساني" وجب الانتباه إليه بل نقول وجب أن نفهمه اليوم أكثر من ذي قبل بحكم تنامي فكرة المركز في سعيها لإذابة الأطراف. كما أنها كتابة تنخرط في انفتاح أساسي على أجناس الكتابة فإذا هي كتابة الإبداع في توقها لشاعرية الحياة بوصفها "الشاعرية" الحقيقية التي يطرح المبدع داخلها أسئلته بعيدا عن كل "تحنيط" للفعل الشعري و للإنسان. إنّ قصيدة النثر أو قصيدة التجريب أو قصيدة الأسئلة أو "الكتابة الشعرية نثرا" كما يسميها –أدونيس– هي كتابة "إبداعية" و كفى. إنّ "إبداعية" هذه الكتابة تلتمسها من سعيها المتواصل لتطوير شكل كتابتها و تنويع إيقاعها الداخلي فإذا هي تختلف في مستوى إيقاعيتها الداخليّة من شاعر إلى آخر و من لغة إلى أخرى، وإنّ هذا التعريف يفترض مبدئيا أن نحدد هويّة هذه الكتابة و مرجعيّتها الأساسية زمانيا و مكانيا: وإننا نعني بهذه الكتابة "الإبداعية" -قصيدة النثر– ككتابة ظهرت في الذائقة العربيّة مع جملة من الكتاب والأكاديميين كأدونيس و جبرا إبراهيم جبرا أنسي الحاج و غيرهم. و إنّ هذه الكتابة التي ظهرت في المشرق العربي في المنتصف الأخير من القرن المنصرم و تأجّج حضورها في العشريّتين الأخيرتين حتى أصبحت لغة "الشعر المعاصر" هي نتاج لحركة نشيطة للترجمة عن اللغات الأجنبية الفرنسية والإنجليزية واليابانية. وهو ما يطرح السؤال التالي: هل إن قصيدة النثر أو "الكتابة الإبداعية" التي نجدها اليوم و ينخرط فيها شعراء الأمة العربية –شرقا وغربا– هي كتابة نجد لها أصولا داخل نثرنا العربي و تاريخنا الأدبي عامة؟ أم إنّ هذه "الكتابة الإبداعية" هي نتاج ضروري لتطور "حضارة المركز" و قدرتها على ابتلاع "الآخر" لعجزه عن تطوير ثقافته ووقائعه؟ لقد جاءت "الكتابة الإبداعية" -قصيدة النثر– كنتاج مباشر لذلك الانفتاح على "الآخر" فتأثرت الذائقة العربية الإبداعية بكتابات "ازرا باوند" و قصائد الهايكو اليابانية أساسا. وهذا الإعجاب تأتّى من قدرة هذه القصائد على التجذّر في المعيش و مواكبة إيقاعيتها الداخلية وجماليتها ورموزها لنسقية الحياة التي بدأت ترتفع ضمن ثقافة و وقائع تلك المجتمعات تصاعديا. و يمكن أن نفهم هذا الميل لمغادرة السائد في "الذهنية العربية" من خلال انفتاح الكتاب و الأكاديميين و المثقفين العرب على الأطروحات الجديدة لفهم نسقية واقع جديد ولذلك فإنّ "قصيدة النثر" أو "الكتابة الإبداعية" لا يمكن أن تفهم إلا ضمن هذا الفضاء "الثقافي" العالمي الجديد الذي بدأ يبشر "بالعالم القرية". فلماذا نبحث –عندئذ– عن علاقة بين هذه "الكتابة الجديدة" و الموروث الثقافي ضمن حضارتنا العربية؟ و لماذا هذا الإلحاح من قبل العديد من الشعراء و النقاد و المثقفين على استثناء "قصيدة النثر" أو "الكتابة الإبداعية" من دائرة الشعر العربي؟. إنّ هذا الأمر يخفي جملة من الأسباب التي عبثت بالثقافة و بالمثقفين العرب و من بينها: عقلية ردّ كل الإجابات الثقافية إلى مشكلة "التراث و الحداثة" أي محاولة البحث عن إجابة الثقافة العربية ضمن هذين الحدين: و يمكن أن نستشهد بالسؤال التالي: ما علاقة "قصيدة النثر" بـ"الموروث الأدبيّ العربيّ؟". لعلّ الإجابة تكمن في أنّ هذه الكتابة تطوير للقصيدة العربية. أو هي تطوير لنصوص نثرية داخل تراثنا كتجارب –النّفري– أو –محيي الدين بن عربي– و غيرهما من الإجابات التي تبحث عن تأصيل نظري لهذا الجنس من الكتابة ضمن ثنائية كانت و لا زالت متأصلة في ثقافتنا العربية ككلّ. وأنّ هذه الثنائية هي التي أصبحت اليوم تسمى ب"الهوية" و "العولمة" و هو ما يخفي أساسا عدم فهم الواقع العالمي الجديد الذي يرفض كلّ "خصوصية" و يبحث أبدا عن تجاوز "المركز" و تحطيم التاريخ و تأسيس الجغرافيا كبديل. كما أن الإصرار الواضح من قبل العديد من الشعراء و المثقفين و النقاد العرب على إخراج "قصيدة النثر" أو "الكتابة الإبداعية" من دائرة الشعر يخفي أمرا أساسيا و هو تأكيدهم "الواعي و اللاواعي" على فصل الشعر عن باقي أجناس الكتابة والحال أنّ جميع الأجناس الأدبية أصبحت اليوم أكثر من ذي قبل منفتحة على بعضها بعضا و يمكن أن نفهم هذا الأمر انطلاقا من واقع ثقافي عربي و عالمي جرّ الشعراء و القرّاء للشعر إلى حضيرة الرواية ولذلك فإنّ قصيدة النثر أو "الكتابة الإبداعية" هي كتابة تنخرط في فضاء إبداعي جديد يرفض كل تصنيف للأجناس الأدبية بغيته تحنيط هذه الأجناس وسدّ منافذ انفتاحها على بعضها البعض. هذا بالإضافة إلى إنّ الشاعرية ليست في إيقاعات القصيدة العمودية و لا في إيقاعات "قصيدة التفعيلة" ولا في الإيقاع الداخلي "لقصيدة النثر" بل الشاعرية تكمن في قدرة هذه الكتابة أو تلك على انخراطها في المعيش وفي الحياة. ولعلّ قصيدة النثر أو "الكتابة الإبداعية" قد استطاعت أن تعبّر عن هذه الحياة ومعيشها و حريتها لما تحمله داخل "مشروعها" من استفادة واضحة من "العالمية" و انفتاحها على التجارب الإنسانية في عمق ما يحمله إنسانها الجديد كإنسان يرفض المركز و يرفض الانغلاق وتحنيط تجربته ضمن ثنائيات لا تخدم شاعريته الباطنية في تفاعلها مع نسقيّة جديدة تجعل منه كائن الأسئلة الدائمة يطرحها على ذات تقاوم "ثقافة العولمة" لا في تقوقعه ضمن "الهوية" في معناها "العرقي أو الديني أو الثقافي" بل في معناها الإنساني. إنّها "هوية" الدفاع عن الإنسان ضد استنزاف قيمه الإنسانية في معناها الشمولي. وبهذا المعنى تكون "قصيدة النثر" أو "الكتابة الإبداعية" محاولة للانخراط في النص الإبداعي خارج كل وهم وكل تحنيط إنها كتابة تؤسس الإنسان و تعانقه خارج كل "انتماء" إذ هي الشاعرية الحقيقية شاعرية الحياة في مقاومتها لأعداء الحياة. |