|
|
- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 431819
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
تقارب مصري – إيراني لتصفية الحسابات
هل هناك ما يمكن
أن يكون موضع اتفاق بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والرئيس المصري محمد مرسي؟
يبدو، للأسف، ألّا وجود لأيّ قاسم مشترك بين الرجلين باستثناء سعي كلّ منهما لإثبات
أنّه لايزال موجودا وأنه يمتلك هامشا ما للمناورة السياسية.
ما عدا ذلك فإنّ
مثل هذا اللقاء، على الرغم من رمزيته، لا يقدّم ولا يؤخر بدليل أن مرسي يمتلك موقفا
واضحا حيال ما يدور في سوريا وذهب بعيدا في مهاجمة الرئيس بشّار الأسد واصفا إيّاه
بـ"الطاغية" في حين تقف إيران بكلّ ما تمتلك من إمكانات مع نظام لا همّ له سوى قمع
شعبه بغية السيطرة عليه والاستمرار في إذلاله.
كيف يمكن لمصر ما بعد "ثورة
الخامس والعشرين من يناير" الترحيب بشخص يمثل نظاما يدعم "الطاغية"؟ ما يحتاجه رئيس
مصر في هذه الأيام وفي المرحلة المقبلة هو التصالح مع شعبه قبل التصالح مع إيران
بكلّ ما تمثّله.
كان شيخ الأزهر واضحا كلّ الوضوح عندما طالب النظام
الإيراني بوقف تهديداته لدول الخليج والامتناع عن قمع مواطنيه من أهل السنّة. في
الواقع، تعامل إيران مواطنيها من السنّة بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية، هذا إذا
كنا نريد أن نكون متفائلين. فضلا عن ذلك، معروف جيدا كيف تعامل مسيحييها باستثناء
الأرمن منهم الذين تستغلهم لأغراض خاصة مرتبطة بنفوذها الإقليمي من أذربيجان إلى
لبنان، مرورا بسوريا طبعا.
لا يمكن الاعتراض، من حيث المبدأ، على أيّ تقارب
مصري- إيراني. ولكن هل هناك ما يسمّى تقاربا من أجل التقارب؟ ما الذي يمكن لمصر أن
تجنيه من هذا التقارب الذي يحتاج إلى مضمون؟ هل في استطاعة مصر، التي يحكمها
الإخوان المسلمون في هذه المرحلة، التأثير بأيّ شكل على السلوك الإيراني أكان ذلك
في البحرين أو اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان وحتى في تونس حيث سمحت الحكومة
أخيرا بتشكيل حزب موال لطهران وما تمثله وإصدار هذا الحزب لصحيفة ناطقة باسمه اسمها
"الصحوة"؟
كان في الإمكان الترحيب بأي تقارب مصري- إيراني لو كان مثل هذا
التقارب يخدم الاستقرار في المنطقة ولو كانت إيران-الثورة، ثورة 1979، لم تتمسك
بكلّ ما كان نظام الشاه يمارسه من عدوانية تجاه العرب عموما وأهل الخليج خصوصا. هل
تغيّر شيء في منطقة الخليج بعد الثورة الإيرانية في العام 1979؟ الواضح ان كل
السياسات الإيرانية بقيت على حالها. يظلّ أفضل دليل على ذلك الذهاب بعيدا في ضمّ
الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، المحتلة في العام 1971
عندما كان الشاه الراحل في عز جبروته، يحلم بلعب دور شرطي الخليج.
لا تزال
إيران تسعى إلى لعب هذا الدور. تريد تطويق الخليج من كل الجهات بدءا بتدخلها في
البحرين وصولا إلى إيجاد موقع قدم لها في اليمن، عبر الحوثيين في الشمال وبعض
المنادين بالانفصال، وليس كلّهم، في الجنوب.
كان من الأفضل لو اعتمد الرئيس
مرسي بعض الحذر في تعاطيه مع زيارة الرئيس الإيراني. كان في الإمكان استقباله كأي
رئيس دولة مشارك في القمة الإسلامية التي استضافتها القاهرة بدل توفير كلّ الفرص له
كي تظهر إيران في مظهر من استطاع إعادة العلاقات مع مصر من دون أي اعتبار لدورها
العربي المفترض.
في كلّ الأحوال، ما سيبقى من الزيارة التي قام بها أحمدي
نجاد لمصر هو القشور. فالرجل الذي تقترب ولايته الرئاسية من نهايتها، يواجه معارضة
شديدة في الداخل. هناك رغبة لدى الأوساط النافذة في إيران في وضعه على الرفّ اليوم
قبل غد.
أما بالنسبة إلى الرئيس المصري، فقد بدا من خلال استقباله الرئيس
الإيراني بحفاوة أنّ الإخوان المسلمين يسعون إلى إظهار أنهم مختلفون بغض النظر عن
النتائج التي ستترتب على تصرّفاتهم داخل مصر وخارجها، وبغض النظر عن سعيهم إلى
إقامة نظام ليس هناك ما يميّزه، من زاوية التفرّد بالسلطة، عن النظام الذي أقامه
العسكر بين 1952 و2011.
يبقى أنّ زيارة محمود أحمدي نجاد لمصر كشفت أمرين؛
أولهما أن لا مضمون سياسيا للمصالحة المصرية – الإيرانية، اللهم إلاّ إذا كانت مصر-
الإخوان تريد السير في ركاب إيران. أمّا الأمر الثاني والأخير الذي كشفته الزيارة
فهو أنّ مصر لا تمتلك استراتيجية واضحة على الصعيد الإقليمي. لو كانت تمتلك مثل هذه
الاستراتيجية، لكان السؤال الأوّل الذي طرحته على نفسها هل سيؤثر اللقاء بين مرسي
وأحمدي نجاد على التوجه الإيراني الداعم للنظام السوري أو على تدخلها السافر في
شؤون لبنان حيث باتت تشكّل الحكومة بفضل السلاح الذي تمتلكه الميليشيا المذهبية
التابعة لها؟
هذان السؤالان غيض من فيض الأسئلة التي يثيرها اللقاء التاريخي
بين الرئيسين المصري والإيراني. إنه تاريخي بالفعل، خصوصا أنه الأوّل منذ 34 عاما
من جهة وأن إيران احتفلت باغتيال أنور السادات، رئيس مصر، في العام 1981 من جهة
أخرى.
ليس هناك عاقل يبحث عن استعداء إيران بغض النظر عن النظام فيها. ولكن
لا يمكن لأيّ عاقل تجاهل ما تفعله إيران في المنطقة، خصوصا ما يخص إثارة الغرائز
المذهبية من المحيط إلى الخليج. ما تفعله إيران حاليا يساهم في تطويق المنطقة
العربية وإسقاطها في متاهات سيكون من الصعب عليها الخروج منها؟ ألم يكن مستحبّا لو
أخذ رئيس مصر ذلك في الاعتبار…أم لديه حسابات يودّ تصفيتها مع هذا الجانب العربي أو
ذاك، والأولوية الآن لعملية تصفية الحسابات؟