- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432739
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
العولمة والثقافة القومية: تجاور ومعايشة أم هيمنة وتنافر؟
تساءل المفكر الراحل محمود أمين العالم عن المقصود بثقافة العولمة: هل المقصود بها أن العولمة أفرزت بشكل تلقائي ثقافة إنسانية كلية موحدة، أزالت – أو في طريقها لإزالة- الخصوصيات الثقافية العامة؟ أم أن المقصود بها أن العولمة قد أضافت ثقافة إنسانية موحدة جديدة، إلي جانب الثقافات القومية الخاصة المتنوعة؟ هذه التساؤلات تفرض الآن تساؤلاً آخر حول طبيعة العلاقة بين هذه الثقافة العالمية "ثقافة العولمة" وبين الثقافات المحلية المتفردة: هل هي طبيعة تجاور ومعايشة أم هيمنة وتنافر؟ ولوجاهة هذه الأسئلة، طرحناها على بعض المثقفين لمناقشتها وتبيّن وجهات نظرهم فيها. اختلف مفكرون مصريون حول ظاهرة العولمة التي اكتمل عقدها، بعد أن شملت جميع المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، لتصبح واقعًا ملموسًا، حيث رأي البعض أنها تفتح العالم بثقافاته المتعددة علي مصراعيه أمام إنسان القرن الحادي والعشرين، ليصبح أمام مصادر متنوعة للعديد من الثقافات، يختار منها ما يشاء، بالإضافة إلي اتساع هامش الحرية المتاح للإنسان العربي، لاسيما بعد هذه النهضة الشمولية علي المستوى الإعلامي فيما اعتبر آخرون العولمة هي استعمار جديد للدول النامية، بعد أن فشلت الدولة العظمى في استعمارنا عسكريًا، حيث إن إزالة الحواجز والتعريفات الجمركية بين الدول المتقدمة والنامية، وتحول العالم إلى قرية واحدة مفتوحة، سيوفر مناخًا تنافسيًا غير متكافئ، مما يترتب عليه انهيار الاقتصاديات الضعيفة، فكيف نستفيد من العولمة، وفي نفس الوقت نواجه الهيمنة التي تفرضها ثقافة العولمة؟ علينا أن نحدد أولاً حقيقة العولمة وطبيعة العلاقة بينها وبين الثقافة، فالعولمة بصورة موجزة هي مرحلة راهنة من مراحل تطور الحضارة الإنسانية عبر مسيرتها التاريخية، فهي شكل من أشكال سيادة نمط الإنتاج الرأسمالي سيادة عالمية شاملة، مما يترتب عليه توحد العالم نتيجة دخوله تحت نمط واحد من الأنماط الأيديولوجية. اتسمت العولمة بطابع الهيمنة، أي هيمنة بعض الدول الكبرى ذات القدرة الإنتاجية المتقدمة علي بقية دول العالم، ولهذا كان من الطبيعي أن تسعى هذه الدول الرأسمالية المتقدمة إلي تنميط العالم تنميطًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا… ومن هنا تتضح ثقافة العولمة بأنها ثقافة الدول الأقوى، التي ستفرضها مع الجوانب الأخرى كالسياسية والاقتصادية، فكما أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة، كذا العولمة لها ثقافتها المرتبطة بها والمعبرة عنها، ووفق هذا المنظور فهي ثقافة حتمية لا مفر منها. إيجابيات وسلبيات نجوى الفوال أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة ترى أن أهم الآثار الإيجابية للعولمة، هو فتح العالم بثقافاته المتعددة علي مصراعيه أمام إنسان القرن الحادي والعشرين، ليصبح هذا الإنسان أمام مصادر متنوعة للعديد من الثقافات يختار منها ما يشاء، بعد دراسة ووعي، وفي ذلك ميزة له لم تتوافر لإنسان الفترات الماضية – ولاسيما حقبة الستينيات في مصر علي سبيل المثال- حيث فرضت عليه الدولة ثقافة معينة تخدم مصلحتها وتوجهاتها وحجبت عنه غيرها من الأشكال الثقافية. وهناك جانب إيجابي آخر وثيق الصلة بما سبق، يتمثل في اتساع الهامش المتاح من الحرية أمام المواطن، لاسيما بعد هذه النهضة الشمولية علي المستوى الإعلامي، والتي من خلالها تطرح كل القضايا للمناقشة بلا تحرج أو خفاء، وهو ما ينجم عنه ثراء وتنوع في المعلومات ومن قبلها مصادرها، أما أبرز الجوانب الإيجابية في ظاهرة العولمة، فهو تحقيق وحدة العالم المنشودة، وخاصة بعد هذا الكم الرهيب من الصراعات، فضلاً عن توسيع وتعميق الثقافات الإنسانية مع تشابكها وتفاعلها تفاعلاً كبيرًا. وترى نجوى الفوال أن من سلبيات العولمة وأكثرها تشعبًا لما يترتب عليها، هو تأثيرها على الهوية القومية بالسلب؛ إذ أن الدول الرأسمالية الكبرى تسعى من خلال العولمة لفرض ثقافتها القومية الخاصة وعولمتها دعمًا وتعميقًا لهيمنتها السياسية والاقتصادية، فإذا لم تكن الثقافة القومية قوية حدثت لها تشوهات كاملة قد تصل إلى درجة الطمس، فتلك الوحدة المزعوم تحقيقها من قبل العولمة، من المفروض أن تكون وحدة متجانسة لا وحدة مفروضة لمصلحة طرف مهيمن على أطراف أخرى، ولمواجهة هذا الجانب السلبي تطالب نجوى الفوال بالعمل على رفع كفاءة الثقافة القومية، حتى تستطيع مواجهة الفرص المتوقعة من قبل ثقافة العولمة، وذلك من خلال رفع ثقافة الفرد عبر تطوير التعليم وتنشيط وتنمية وسائل الاتصال المختلفة. ثلاثة وجوه يذهب أنور المغيث أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان إلى القول إنّه يمكن معرفة طبيعة كل من الثقافة القومية وثقافة العولمة، وكذا معرفة طبيعة العلاقة بينهما، وسبل حل تلك الإشكالية من خلال ثلاثة وجوه: وجه تبريري وآخر للتكيف وثالث للمواجهة، فالأول يعمل علي تسرب معطيات الثقافة إلى أصحابها من خلال تقديم تبريرات وبراهين على صحة تلك الصورة التي ينشأ عليها الفرد، بينما يعمل الثاني على ترسيخ تلك الصورة وتكيف الأفراد على التعايش من خلالها على المستوي القومي أو المحلي ثم على المستوي العالمي، ومن هنا يأتي الوجه الثالث، الذي يقوم بحماية تلك الثقافة، أولاً من الطمس ثم تهيئتها للاستفادة من الثقافات الأخرى. أما هالة مصطفى أستاذة العلوم السياسية فتنتقد الوضع الثقافي الراهن، فهو – كما ترى- سلفي الطابع يغلب عليه الركون إلي الماضي دون سعي حقيقي للتجديد والتطوير والعمل على المواجهة الموضوعية والصادقة لتحديات العصر، التي تأتي على رأسها ظاهرة العولمة وخطرها على واقعنا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا: فالعولمة ببساطة عملية تجديد للرأسمالية بعد انهيار النظام الاشتراكي، ولكنها رأسمالية ناتجة عن التطورات التكنولوجية والمعلوماتية المذهلة، وهو ما يجعل الأمر خطيرًا؛ حيث تترتب عليه إزالة الحواجز والحدود والرسوم الجمركية بين الدول، وبالتالي قيام الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، والنظرة الموضوعية لمثل هذه الإجراءات تكشف مدى خطرها على الدول التي لم تتجاوز صفة المجتمعات الزراعية – وما أكثرها- والتي ستقف في مواجهة ظالمة مع دول تجاوزت عصور ما بعد الصناعة، وهناك إشكالية أخرى خاصة بالثقافة العربية في مواجهة ثقافة العولمة، وهذه الإشكالية تتعلق باللغة العربية والتي توصف بأنها مليئة بالتناقضات المتنافرة وازدواج الرؤي. في حين يهاجم حسام عيسى أستاذ القانون بجامعة عين شمس ثقة العولمة مؤكدًا أنها تهدف إلى طمس الثقافات القومية وفرض ثقافة عالمية موحدة، حيث إن العولمة هي الوجه الحديث للاستعمار الذي فشل في السيطرة الدائمة على شعوب العالم الثالث من قبل عن طريق الاحتلال العسكري، وعندما تبين له عدم جدوى الغزو العسكري سعى إلى غزو آخر، وهو الغزو الثقافي أو ما يسمي ثقافة العولمة، فهما وجهان لعملة واحدة، وليس أدل على ذلك من الجانب الاقتصادي للعولمة، فإزالة الحواجز والتعريفات الجمركية بين الدول المتقدمة والدول النامية، وتحويل العالم إلى قرية واحدة مفتوحة – من شأنه توفير مناخ تنافسي غير متكافئ- مما قد يترتب عليه انهيار الاقتصاديات الضعيفة إزاء المنافسة الشرسة وغير العادلة من اقتصاديات الدول المتقدمة، والوضع الثقافي غير ذي فرق كبير من هذا الوضع الاقتصادي. |