|
|
- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 431819
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
لبنان : عرسال وأسباب استهدافها
من الواضح أنّ
وراء الأكمّة ما وراءها في بلدة عرسال اللبنانية القابعة في الشمال على حدود طويلة
مع سوريا. عرسال مستهدفة. سبب استهدافها عائد قبل كلّ شيء إلى موقعها الجغرافي الذي
يجعل منها عائقا يفصل بين المناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" في سهل البقاع
اللبناني، في مقدمها منطقة الهرمل، من جهة والساحل السوري من جهة أخرى. لذلك، يبدو
مطلوبا خنق عرسال أو اختراقها بصفة كونها عاملا معرقلا للمشروع الذي يصبّ في
التواصل الحرّ بين ما يمكن أن يصبح يوما جيبا علويا في سوريا والجزء البقاعي من
الدويلة التي أقامها "حزب الله" في الأراضي اللبنانية. هذه دويلة أقيمت على حساب
لبنان ومؤسساته، في مقدمها الجيش الوطني، بدعم إيراني معلن مستمر منذ ما يزيد على
ثلاثة عقود.
المشكلة ليست إذا في عرسال التي كانت دائما، مع منطقة عكّار،
داعمة للجيش اللبناني وخزّانا بشريا له، وقد وفّرت آلاف الشبان يسيرون خلف العلم
الوطني فقط وليس وراء علم غريب. المشكلة في السلاح غير الشرعي الذي يستخدم حاليا في
مشروع لا يخدم لبنان ومستقبل شبابه ووحدة أراضيه في شيء. على العكس من ذلك، أنّه
مشروع يصبّ في تكريس لبنان كلّه أو جزء منه، على الأقلّ، قاعدة انطلاق لدعم مشروع
مريب ذي بعد مذهبي فاقع في سوريا والمنطقة كلّها.
انطلق هذا المشروع المريب
من العراق الذي سلّمه جورج بوش الإبن على صحن من فضّة إلى إيران. لم يدرك الرئيس
الأميركي في العام 2003 وفي مرحلة الإعداد للحرب الأميركية على العراق خطورة ما
يفعله.
صحيح أن وزير الخارجية الأميركي وقتذاك الجنرال كولن باول تحدّث عن
"إعادة تشكيل المنطقة". إلاّ أنّ الصحيح أيضا أنّ الإدارة الأميركية السابقة لم
تستدرك أنّ العراق لن يكون نموذجا ديموقراطيا لأهل الشرق الأوسط بمقدار ما أنّه
سيكون منطلقا لأثارة الغرائز المذهبية التي لم يعد معروفا كيف يمكن السيطرة عليها
أو هل من مجال لذلك.
لم يستطع الأميركيون، الذين كان عليهم طرح ألف سؤال
وسؤال على أنفسهم، بمجرد دعم إيران لحربهم على العراق، أنّ البناء على عمل إيجابي
ومفيد للإنسانية مثل التخلّص من نظام صدّام حسين ليس كافيا، في أيّ شكل، لنشر
الديمقراطية في البلدان المحيطة بالعراق أو القرببة منه.
ما نشهده في لبنان
حاليا هو أبشع توظيف للغرائز المذهبية التي فجّرت سوريا بعدما ذهب النظام فيها إلى
استغلالها إلى أبعد حدود بتواطؤ إيراني مكشوف. استثمر النظام الإيراني في عملية
تمزيق لبنان وفي وضع اليد على عاصمة الأمويين كي يمارس منها هيمنته على بلدين
عربيين بعدما وضع يده على العراق.
لم يعد سرا، بعد ثماني سنوات على اغتيال
الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وبعد تمكن إيران من سدّ الفراغ الأمني الذي خلّفه
الانسحاب العسكري السوري من لبنان أنّ حسابات طهران لم تكن دقيقة. كان في اعتقادها،
كما في اعتقاد بشّار الأسد، أن الانتهاء من أكبر زعيم سنّي في لبنان سيؤدي إلى خضوع
الوطن الصغير نهائيا.
فات طهران أنّ الشعب السوري سينتفض، مثلما فاتها قبل
ذلك، هي والأسد الإبن، أنّ لبنان سينزل كله الى الشارع وسيخرج القوات السورية من
أراضيه. من كان يتصوّر أنّ ذلك سيحصل يوما؟
تمثّل الهجمة على عرسال حاليا
تعبيرا عن مشروع إيراني- سوري بديل يقوم على الاحتفاظ بجزء من سوريا في غياب القدرة
على الإمساك بها كلّها. يبدو مطلوبا باختصار شديد، إيجاد ممرّ آمن يجعل "حزب الله"
بكلّ ما يمثّله ويمتلكه من إمكانات قادرا على توفير شريان الحياة للجيب العلوي
المفترض في سوريا.
من هنا، عرسال ليست مجرد بلدة سنّية تستقبل لاجئين
سوريين وتمتلك موقعا استراتيجيا مهما في منطقة حدودية. تحولت عرسال إلى رمز. إنّها
إحدى القلاع الصامدة في وجه مشروع مذهبي يخدم في نهاية المطاف إسرائيل التي عملت
دائما على تفتيت المنطقة من منطلقات طائفية ومذهبية وعرقية، على غرار ما هو حاصل
حاليا في العراق.
هناك ما هو أبعد بكثير من عرسال، هناك سلاح مذهبي لا
يمتلكه سوى فريق واحد في لبنان يعمل من أجل تعويض إيران خسائرها السورية. مرّة
أخرى، يدفع لبنان ثمن وجود السلاح غير الشرعي فوق أراضيه. هذا السلاح كان فلسطينيا
في البداية وقد شرّعه للأسف الشديد اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. شرّع
اتفاق القاهرة الأبواب أمام قيام كلّ أنواع الميليشيات في أرجاء الوطن الصغير. كان
النظام السوري دائما وراء هذه الظاهرة التي ما لبثت أن ارتدت عليه. لم يستوعب هذا
النظام الذي غطّى مذهبيته بقضية فلسطين وإعطاء دروس في الوطنية، أن ثمة نهاية لمثل
هذا النوع من البهلوانيات.
لا شكّ أنّ عرسال ستصمد. قضية عرسال قضية محقّة.
فمثلما كانت الحسابات الإيرانية والسورية خاطئة في العام 2005، ستبقى خاطئة في
2013، لا لشيء سوى لأنّ لعرسال عمقها اللبناني والسوري في آن ولأنّ مشروع الجيب
العلوي في سوريا ليس مشروعا قابلا للحياة، فضلا عن أنّ من سيقرر مستقبل سوريا هو
الشعب السوري الذي ستدخل ثورته قريبا سنتها الثالثة. كذلك، من سيقرر مستقبل لبنان
هم اللبنانيون الذين يرفضون البقاء تحت تهديد السلاح المذهبي الذي واجهوه وما زالوا
يواجهونه بصدورهم العارية.
مهما فعل المحور الإيراني- السوري، ستنتصر
عرسال. وستنتصر سوريا وسينتصر لبنان. القضية ليست قضية حقّ فحسب، إنها أيضا قضية
مرتبطة بثقافة الحياة التي لا يمكن إلاّ أن تنتصر على ثقافة الموت التي حاول النظام
السوري في الماضي استخدامها لفرض وصايته على لبنان.
قبل أن يفكّر النظام
السوري في كيفية الانتصار على عرسال، يفترض به التركيز على كيفية الخروج من سوريا
اليوم قبل غد، اللهم إلاّ إذا كان هدفه النهائي تفتيتها إربا. هل سيتمكن من تحقيق
هذا الهدف؟ إنه السؤال الذي ستجيب عنه الأشهر القليلة المقبلة. فكلما طال عمر
النظام، كلما زادت مخاطر زوال الكيان السوري بشكله الحالي