- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432739
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
أطفال الشوارع ضحايا الفقر والمجتمع
ترحم
الكثير من المجتمعات تميل إلى إنكار الخلل الاقتصادي والاجتماعي في بناها وتتمسك بتجريم أطفال الشوارع والمشردين في حين أنها تمثل المسؤول الأول عن الظاهرة. إن كان الحقُّ في الحياة أمرا مقدسا تكفله كافة الشرائع والمواثيق الدولية، فإن الحيلولة دون انتهاكه يغدو واجباً لدى رافضي الإجهاض الذي يرى عدد من المدافعين عنه، أن الرفض لا يحل المعضلة بقدر ما يدفعها إلى مزيد من التعقيد، كما أن الطفل المولود في ظروف غير ملائمة، سيجد نفسه في ما بعد مجهول الهوية والنسب داخل مجتمع لا يتوقف عن النبش في الجذور. وهذه الظاهرة في حد ذاتها كانت سببا في استفحال معضلة أطفال الشوارع الذين من حقهم الحظوة باهتمام خاص طالما أنهم يشكلون جزءا كبيرا من المجموع الكلي لسكان العالم. ويقدر عددهم تقريباً المائة مليون طفل شارع " 90 في المئة ذكورا و10 في المئة إناثا". وينقسم أطفال الشوارع إلى صنفين،هما الأطفال الذين يولدون في الشوارع والأطفال الوافدين على الشوارع، فالصنف الأول يمثل الأطفال العاملين في الشوارع والذين لديهم عوائل ما زالوا مرتبطين بها، أما الصنف الثاني فهم الأطفال الذين يعيشون كليا في الشارع وليس لديهم ارتباط عائلي. ويعيش في شوارع مصر عدد كبير من الفتيات في سن الرابعة أو الخامسة اللاتي هربن من الفقر أو سوء المعاملة أو التفكك الأسري. وتشير الأرقام إلى أن نصف فتيات الشوارع مارسن الجنس ونحو 45 منهن اغتصبن. ويقول المشرفون على رعاية الفتيات إن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك، وعادة ما يكون الاغتصاب حسب ما يقولون من أوائل التجارب التي تمر بها الفتاة عندما تخرج إلى الشارع، وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الأمهات لا يتمكن من استخراج شهادات ميلاد لأطفالهن لأن الأب مجهول أو ينكر البنوة. وتنام فتيات الشوارع وهن عادة من بنات الريف أو الأحياء العشوائية الفقيرة على الأرصفة أو في الحدائق العامة وتواجهن تهديدا دائما بالاغتصاب ويقمن بشم "الكلة" "نوع من الغراء يستخدم كمخدر" لمقاومة البرد والألم، ويسلك بعضهن طريق الدعارة، وتبدأ تجاربهن الجنسية بحكم حياتهن في الشارع في وقت مبكر ، في حين تتسول بعضهن أو يبعن علب المناديل. ولا يكتمل عادة حمل بنات الشوارع إما عن عمد أو بسبب صعوبة حياة الشوارع، فهن يتعاطين إلى جانب "الكلة" بعض أنواع الأدوية العادية التي قد تؤدي جرعات زائدة منها إلى حالات هلوسة، ويطلقن أسماء متعددة على هذه الأدوية، منها ما يسمى "صراصير" لأنهن عندما تعاطينها يتخيلن صراصير تهاجمهن على حد تعبيرهن. واكتشفنا في الشارع فتيات انتهكت براءتهن وهن على أعتاب الطفولة.. في إحدى الرحلات لاستكشاف الشارع وجدت "طفلة" عمرها أحد عشر عاماً "حاملاً"؟! أذكر أنني ليلتها لم أستطع النوم وكنت على مكتبي في الخامسة صباحاً تقريباً أقلّب في ذهني عشرات التساؤلات عما يمكن تقديمه لهؤلاء "الضحايا". لم يكن اليأس ترفاً متاحاً ولم يكن من الممكن لأي سبب التخلي عن "أمهات" لم يتجاوزن الثالثة عشرة ليواجهن مصيراً بلا ملامح، خصوصاً بعد أن كشفت الجولات الميدانية عن تحول الأطفال الذين تنجبهم أمهات الشوارع إلى "مصدر" لتجارة الأعضاء وفريسة سهلة لتجار البشر. لماذا يغادر الطفل منزله ويترك أسرته ليواجه منفرداً جحيم الشارع؟!. التفكك الأسري كان في المقدمة والفقر الشديد كان أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم الظاهرة، حتى أن أسراً كثيرة العدد قليلة الموارد كانت لا تبالي عندما يغادرها طفل أو أكثر إلى الشارع!!. ووفقاً لمنهج الباب المفتوح فلا قيود على حركة الطفل ولا شيء يشعره بأنه تحت السيطرة. ولأن مشكلات عمل من هذا النوع لا تتوقف، فقد واجهنا عقبة كبرى تتمثل في نظرة المجتمع إلى طفل الشارع المعاد تأهيله أو حتى الذي ما زال في طور إعادة التأهيل، فحتى الطبيب يرفض معايدة الطفل إذا علم أنه طفل شارع، والمدارس تقبل الطفل بشكل عادي جداً وبمجرد أن يعرفوا أنه طفل شارع تتغير النظرة إليه وأسلوب التعامل معه، فالبعض يناديه بـ"قرية الأمل" ويعرفه آخرون بأنه "قرية المغتصبات". قضينا أكثر من ساعتين برفقة مسؤولي "قرية أمل" أو "قرية المغتصبات" ومع الأمهات الصغار، فكانت الحكايات تتشابه في ملامحها العامة وتختلف في التفاصيل وتتقاطع في الألم. ويقول العاملون في مجال رعاية أطفال الشوارع في القاهرة إنهم بدؤوا يلاحظون ظهور فتيات الشوارع في منتصف تسعينيات القرن الماضي وكن يحلقن شعورهن ليظن الناس أنهن صبيان فيدرأن عن أنفسهن بعض الخطر، وزادت أعدادهن بدرجة كبيرة منذ ذلك الحين وقالت إحدى المسؤولات إن ما بين 20 إلى 30 في المئة من أطفال الشوارع حاليا هن من الفتيات، وينظر إليهن باحتقار في مصر فالفتاة مدعوة للمحافظة على عذريتها حتى الزواج وتوصم ضحايا جرائم الاغتصاب بالعار. ماجدة هي فتاة في الحادية عشرة من عمرها، أسنانها الأمامية مكسورة وشعرها مقصوص على شكل ذيل حصان ترغب في تعلم الكاراتيه، وقد خرجت إلى الشارع منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب انفصال والديها وضرب جدتها لها. تقول وهي تشرب من علبة عصير "كان الأمر سهلا. كنت أنام على الرصيف في الليل عادة"، وتضيف "كان هناك عديد الأشياء التي نخاف منها. كنا نخاف أن يهاجموننا صبيان في الليل". وتوضح "تمكنت من ترك الشارع بسرعة نسبيا والتحقت بمدرسة وبدأت التخطيط للمستقبل". إنها تأمل في الالتحاق بالجامعة. أما أماني فكان دافع خروجها إلى الشارع جراء ضرب عائلتها لها بسبب ضعف نتائجها في المدسة، لقد هربت من منزل والديها مع صديقة لها من الإسكندرية لكنها تركتها عندما نفد ما لديها من مال. وتقول أماني "15 عاما" " هاجمني شاب وأفقدني عذريتي.. واكتشفت بعد ذلك بأني حامل ورغم أنني فقدت الطفل إلا أني أخشى العودة إلى المنزل". يمثل أطفال الشوارع نتاجا حتميا للسياسات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم التي تعزل الفقراء عن المساهمة في الثروة الاقتصادية، فالمبادئ التي تقوم عليها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي تعد جزءاً تكاملياً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتفل بذكراه الخمسين المجتمع الدولي بكثير من الجعجعة، يجري الآن سحقها كليا. ففي الوقت الذي أدى فيه ازدهار الاقتصاد ورفع القيود عن القطاع الخاص إلى ارتفاع جنوني في الإيرادات وفي أسعار السلع الضرورية غاب الضمير الجماعي، فالكثير من الدول تقدم على تصفية مشاريع إسكانية إما لشاغليها أو لمالكين من القطاع الخاص دونما اهتمام بالحاجة إلى إجراءات بديلة لصالح أولئك الذين يبقون على قائمات المشردين. وأدت الأسواق المزدهرة إلى استبدال أحياء بكاملها كانت تأوي عددا كبيرا من الفقراء بأجور زهيدة بأحياء باذخة ومترفة، فضلاً عن سعي عديد الحكومات إلى تخفيض نسبة المستفيدين من المعونات الاجتماعية أو تخفيض قيمتها، ومن يدفع ثمن ذلك سوى الأطفال. إن الكثير من المجتمعات تميل إلى إنكار الشواهد على الخلل الاقتصادي والاجتماعي وتتمسك بتجريم أطفال الشوارع والمشردين في جهد لا يخلو من سوء النية. وليست الهجرة غير المنظمة أو الخلل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وحدها التي تتسبب في ازدياد أعداد الضحايا من الأطفال المشردين بل هناك الكوارث سواء الطبيعية أو التي من صنع الإنسان، وعوض أن تبذل حكوماتهم أو المجتمعات الدولية مجهودا لإنقاذهم تلجأ إلى سياسة تجريمهم وإدانتهم بحجة خطورتهم على المجتمع فتزج بهم في الزنزانات في أحسن الأحوال أما في أسوئها فإنها تلجأ إلى قتلهم. |