- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 432739
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
لقمان ديركي: قَدم في "الذاكرة" وأخرى في قبر "الآن"
ديركي
لقمان ديركي شاعر وسيناريست و كاتب مسرحي سوري، ولد عام 1966 في بلدة الدرباسية. من أعماله الشعرية "ضيوف يثيرون الغبار" و"كما لو أنك ميت" و"وحوش العاطفة" و"الأب الضال" و"من سيرة الهر المنزلي"، يوصف بكونه شاعرا صعلوكا، محطِّما للثابت في الكتابة الشعريَّة. أولويّة الصدق مع الذات والتمحور حولها هما ما يسمان كتابات لقمان ديركي التي تشي بعذاب داخليّ مختلط بنبرة من السخرية. فهو خلال تاريخه الشعري آثرَ أن يكونَ ضيفاً خفيفاً، لا يثيرُ الغبارَ، على الذاكرة الشعريَّة من خلال كتابة تنتمي إلى السهل الممتنع، السهل الذي لا يمكن تصنيفه ووصفهُ، ليسَ من السهولةِ أن يتمّ تصنيفُ أحدِ الشعراء بتتبع لنتاجه الأدبيّ، الأمر بالغ التعقيد، يختلطُ ها هُنا التاريخُ اليومي الذي يعيشهُ الشاعرُ/ الإنسان في حياته الطبيعيَّة مع حياة الشاعر الداخليَّة حيثُ عالمٌ بأكملهِ تمّ التخطيط له عبر مراحل زمنية ربما قد تستغرقُ العمر برمَّته، حياة الشاعر مزدوجة، ولكن ماذا يفعلُ الشاعر ؟ لا شيء سوى العزلة والإختباء خلفَ فكرةٍ وثبت للمخيّلة، فلكي يصرخ الشاعر ليس بحاجةٍ لتبرير، الورقةُ البيضاء مسكنهُ ووكرهُ المعتاد وساحةُ صراخهِ، لا شيء سوى الكتابة: "لا تطلبْ قلماً من أحد/ ولا تطلب ورقة/ اكتبْ على كفّكَ/ على وجه صديقتكَ/ على الجدارْ/ على بنطال امرأة بجانبكَ/ اكتب على أي شيء/ كأنما الصينيون لم يخترعوا الورقْ" بهذه الطريقة يعبِّر لقمان ديركي عن توقه الدائم للكتابة. ليسَ سهلاً بقاء الإنسان الشاعر متأرجحاً بينَ حياةٍ ماضية و حياةٍ حاليَّة تحوي يأساً وقرفاً، أعني قَدَمٌ في الذاكرة وأُخرى في قبر الآن، حيواتٌ مجهولة قادمة يدركها الشاعر بمجسَّاتٍ خياليَّة مُثبَتَة أمام عينيه، العينُ تأخذُ هنا مهمَّة اللمس نيابَةً عن الأنامل، الشاعرُ أسطورة الآلهة على الأرض، الذراعُ المجهولة التي تظهر بين الفينة والأخرى عبر التاريخ لتسدِّدَ الحضارات وفقَ مسارها الصحيح، ليسَ مبالغةً القولُ أنَّ الشاعرَ نبيُّ عصره !!، هذا الإنسان الذي يعيشُ حالَة الفقد المتواصِل، يغدو الفقدُ حافزاً للكتابة وخبزَ الشاعر اليوميّ: "لم تعد هناك فائدة/ ترجى من هذا القلب/ فهو لم يعد يشعر بالحزن/ ولا بالفرح/ لم يعد يدق بقوة/ من أجل حب مفاجئ/ ولم يعد يخمد وينطفئ/ عند كل خيبة". تتميز كتابة ديركي بالخِفَّة، تلكَ التي للريشة، مفرداتٌ تنسابُ بسيطَةً دونَما امتثالٍ لمفهوم الحداثة أو ما بعدَ الحداثَة: "قَرَفٌ كُلُّ ذلك" هكذا تقولُ قصيدة ديركي، إنَّها الكلماتُ عاريَةً دونما سلاحٍ سوى الرِقَّة مبثوثةً في ثناياها، المفردةُ تغدو قابلةً لأن تتجسَّد في هيئة فتاةٍ تحاورُ بحنان. كتبَ الشاعر العراقي سعدي يوسف في مقدمة الأعمال الشعريَّة للقمان ديركي الصادرة لدى دار ممدوح عدوان في دمشق عام 2006 : " طالَ ما وجد المرءُ نفسَــه في حيرةٍ من أمرهِ، وهو يحاولُ مدخلاً مجْـدِياً إلى قصائد لقمان ديركي ؛ أقصدُ أن المداخل قائمةٌ، متاحةٌ، لكنّ الجدوى متفاوتة". لقمان ديركي لا يزال يكتب بعيداً عن المؤسسات الثقافيَّة "تجاوزاً أقول ثقافيَّة"، التي شلَّت الثقافة برمتها في سوريا بعدَ أن استولى عليها جماعة مسلوبة الإرادة . الجدير بالذكر أن لقمان ديركي ومنذ اندلاع الثورة السوريَّة بدأ يكتب عبر شبكة التواصل الاجتماعي "الفايسبوك" وعلى جدار صفحته يوميَّاتٍ عَنوَنَهَا بـ "هكذا تكلَّم هردبشت" وهي مقاطع قصيرة يدوِّنها، مقاطع متأرجحة ما بينَ شِعرٍ ونثرٍ ساخرٍ يصلُ حَدَّ الشتيمة في حريَّةٍ مُطلقَة غير مؤذية للآخرين ضمن متابعةٍ جماهيريّة واسعة. |