|
|
- إلياس المغتربنائب مؤسس الموقع
- رقم العضوية : 2
الدولة :
عدد المساهمات : 7389
نقاط : 431819
السٌّمعَة : 28
تاريخ التسجيل : 22/12/2012
الإخوان المسلمون في الغرب: ترنح بين رفض العلمانية والعيش في ظلالها
نشرت سلسلة "التطورات في الأصولية والعنف السياسي"، التابعة للمركز الدولي لدراسة الأصولية والعنف السياسي، دراسة للباحث لورنزو فيدينو بعنوان "الاخوان المسلمون في الغرب: التطور والسياسات الغربية" درس فيها حركة الإخوان في الغرب. يرجع وجود الإخوان المسلمين في الغرب إلى الخمسينيات والستينيات عندما غادرت مجموعة منهم بلدانها في الشرق الأوسط لتستقر في مدن أوروبية وشمال أميركية، وفي العقود الموالية وجد أعضاء الحركة الإخوانية الملاذ في بلاد الغرب هربا من قمع الأنظمة في بلدانهم الأصلية. بيد أن غالبية الناشطين المرتبطين بالإخوان المسلمين كانوا من الطلبة والمثقفين الذين انضموا أو فكروا في الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين عندما كانوا في بلدانهم. وأثمر تواجد معارضين أصحاب خبرة وطلبة متحمسين ولادة أولى المنظمات الإسلامية، وتمكن الإسلاميون من ممارسة نشاطاتهم بحرية. مع أواخر السبعينيات شرعت المجموعات الإخوانية في الغرب في التواصل مع بعضها البعض وكونت شبكات رسمية وغير رسمية. بيد أن قلوب أغلب الرواد من الإخوان في الغرب بقيت في بلدانهم الأصلية على أمل العودة لإنشاء دولة إسلامية. وفي الوقت نفسه قاموا بمراجعة أيديولوجيتهم فأصبحت بلاد الغرب بالنسبة إليهم هي "دار الدعوة" عوضا عن "دار الحرب". الإخوان المسلمون الجدد لا يوجد تنظيم إخواني رسمي في أية بلاد غربية ولا يصح الحديث عن منظمات إخوانية عندما نتحدث عن منظمات مثل اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أو التجمع الإسلامي في ألمانيا أو الجمعية الإسلامية في بريطانيا وغيرها. لكن من الممكن القول، فرضيا، إن كل البلدان الغربية توجد فيها منظمات لها روابط تاريخية ومالية وتنظيمية وايديولوجية مع الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الصحوية في كافة أرجاء المعمورة "مثل الجماعة الإسلامية". لذلك يكون من الأدق الحديث عن مجموعات من الإرث الإخواني في بلاد الغرب على أساس "الإخوان المسلمون الجدد في الغرب". ولا يعني لفظ 'الإخوان' أن لهم علاقة رسمية بأي تنظيم اخواني في الشرق، وتعني كلمة 'جدد' أن هذه الشبكات تنتمي الى الخط التدريجي والتشاركي الذي اتبعه الاخوان المصريون في السبعينيات حيث استبدلوا هدف الاستيلاء على السلطة بالعنف ومجابهة النظام العلماني بالمشاركة فيه والسعي لتغيير المجتمع من الأسفل. أهداف الإخوان الجدد منذ مراجعة الاخوان لدورهم في الغرب في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات فهموا الحاجة إلى تطويع إرثهم الثقافي الثري لواقعهم الجديد. وسرعان ما تبين لحركة بمثل براغماتية الاخوان المسلمين أن تطبيق أفكار البنا أو المودودي على أوروبا المعاصرة أو شمال أميركا ليس له أي معنى، فحركة الاخوان في الغرب، مثلما هو الحال في أماكن أخرى، ليست حركة راكدة بل تجعل من أهم خصائصها ونقاط قوتها المرونة والتطور المتواصل. وبرغم الاختلافات الموجودة بين مختلف الشخصيات القيادية حول الأهداف وطرق تحقيقها الى جانب الزعامة والمواقف السياسية والموارد المالية، تبقى هناك بعض الأهداف المشتركة بين كل الأعضاء في الحركة الاخوانية في الغرب. ومن أبرز هذه الأهداف الحفاظ على الهوية الاسلامية لدى المسلمين في البلدان الغربية خاصة وأنهم معرضون للانصهار في ثقافة المجتمعات المستضيفة. لكن خلافا للسلفية واتجاهات اسلامية أخرى تسعى لتقوية الهوية الاسلامية للمسلمين في الغرب، لا يدعو الاخوان الى الاعتزال عن المجتمع السائد بل يحثون المسلمين على المشاركة فيه. كما يهدف الاخوان في الغرب الى التأثير على صنع السياسات الغربية فيما يتعلق بالقضايا الاسلامية. وخلال السنوات العشرين الماضية حاول الاخوان في أوروبا الاستفادة من موقع نفوذهم لخدمة القضايا الإسلامية عن طريق الاجتماعات الخاصة مع كبار صانعي السياسات. صنع القرار من المهم الآن النظر الى كيفية تموقع الاخوان المسلمين في الغرب في بحث الحكومات الغربية عن محاورين ضمن الجالية المسلمة. فهل ترى الحكومات رغبة الإخوان في المشاركة في العملية الديمقراطية مرتكزة على قناعات صحيحة أم على حسابات تكتيكية؟ هل تعتقد أن ايديولوجيا الإخوان تتوافق مع الديمقراطية الغربية العلمانية؟ هل يمكن أن يكونوا محاورين للحكومات ووسطاء يعتمد عليهم يستطيعون إدماج المهاجرين وأبناءهم في المجتمع السائد؟ إن الأجوبة عن هذه الأسئلة لها استتباعات كبيرة على سياسات البلدان الغربية وتحديد كيفية تعاملها مع الجاليات المسلمة. غير أن صنع السياسات في كل البلدان الغربية تقريبا لم يتوصل الى حكم ثابت حول سياسة الاخوان السلمية نظرا لتشعب أدوارها من حركة سياسية الى إطار اقتصادي وفي بعض الأحيان داعمين للإرهاب، كما يقول أحد أكبر المسؤولين الأميركيين في مكافحة الإرهاب. ويضيف "لهم قدم في عالمنا، وقدم أخرى في عالم معاد لنا، فمن الصعب جدا فرز ما هو جيد أو سيء أو مشكوك فيه". وتنقسم النظرة الغربية للإخوان المسلمين في الغرب بين متفائل يرى أنهم شركاء في المسار الديمقراطي ويمكن التعويل عليهم في محاورة الجالية المسلمة، ومتشائم يرى أن الاخوان ينفذون خطة تكتيكية، إذ يظهرون أنفسهم على أنهم متعاونون ومسالمون من أجل كسب ثقة الغرب وفي الأثناء يسعون الى أسلمة الجالية والمجتمع الغربي. ونظرا لعدم وضوح الرؤية، لم تقم أية دولة غربية بتقييم متماسك تتبعه كل الفروع الحكومية وهو ما ينجر عنه سياسات غير متسقة ليس فقط من بلد الى آخر بل وكذلك داخل البلد نفسه. وكشفت محاورات أجريت مع كبار المسؤولين الأميركيين سنة 2006 أن أغلبهم لا يعرف الكثير عن العالم الاسلامي والمجموعات الاسلامية حتى أنهم لا يفرقون بين الشيعة والسنة مثلا، فقال بعضهم أن القاعدة تتكون من سنة و- ربما في الغالب – من الشيعة، وعرّف رئيس فرع الأمن الوطني لمكتب المخابرات الفدرالي "أف-بي-أي" حزب الله بأنه تنظيم سنّي. وفي دراسة أخرى تم التوصل الى أن المسؤولين البريطانيين ليسوا أكثر معرفة بالجماعات الاسلامية. والمشكل هنا يتمثل في أن هؤلاء المسؤولين هم من يرسمون السياسات مع الجماعات الاسلامية ويحددون من يجب التعامل معه. ويحدث في بعض الأحيان ألا يتثبت السياسيون في خلفية المنظمات التي يتعاملون معها، ثم يضطرون الى التراجع عن الخطوات التي قاموا بها عندما يقدم لهم المزيد من المعلومات. وأمام تشعب المنظمات التي تمثل الجاليات المسلمة في الغرب، يمثل الاخوان المنظمة الأكثر بروزا ونفوذا وتمكنت من إقناع السياسيين بأنها تمثل غالبية الجالية. وحتى وإن لم يكن الساسة على قناعة بأحقية الاخوان في تمثيل الجالية المسلمة فقد قبلوا بهم شركاء في الحوار لأنهم ببساطة في حاجة إلى طرف يحاورونه فوجدوا الإخوان هم الأقرب والأعلى صوتا من بين التنظيمات الاسلامية. فضلا عن ذلك، تميل البيروقراطيات الى العمل مع تنظيمات لها هيكلة بيروقراطية، والاخوان هم الوحيدون الذين يملكون الموارد للتنظم بطريقة تشبه البيروقراطية. الطريق إلى الأمام الصعوبات التي تعترض أغلب الحكومات الغربية في تقييم المنظمات الاخوانية الجديدة في الغرب تدل على التحديات التي تفرضها هذه الحركة المعقدة. لقد تبين أنه من الصعب رسم صورة ذهنية لحركة تجمع بين السياسة والدين، وخاصة أن معظم صانعي السياسات لا يكادون يعرفون شيئا عن هذا الدين. وفي بعض الحالات يبدو أن تصرفات الاخوان تعكس موقفا معتدلا ومناصرا للاندماج، وهو الموقف الذي يرغب فيه الساسة الغربيون، وفي أحيان أخرى يبدو أن الاخوان يحملون أجندا تتعارض مع الديمقراطية الغربية. ويدعو الكثير من المتشائمين الى سياسات تقصي المنظمات الاخوانية من أي تعامل معها معتبرين أن الاخوان فاعلون سياسيون مخادعون يهدفون الى تحطيم نفس الحريات التي مكنتهم من الازدهار. ويذهب هؤلاء المنتقدون الى حد الدعوة الى تهميش هذه المنظمات وحتى منعها على أساس أنها الجناح السياسي لحركة التمرد الاسلامي العالمية. |